رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
محمود عبد الحليم
رئيس التحرير التنفيذي
فريد همودى
ads

نص كلمة الرئيس السيسى فى القمة العربية الصينية

الجمعة 09/ديسمبر/2022 - 05:26 م
الحياة اليوم
رشا ثابت
طباعة
ال الرئيس عبدالفتاح السيسى، إن المنطقة العربية هى من أسست الحضارة الإنسانية الحديثة التى نعيشها.


وننشر خلال السطور التالية الكلمة الكاملة للرئيس السيسى:

الحضور الكريـــم،
اسمحوا لى، فى مستهل كلمتى أن أعبر لأخى صاحب السمو الملكى محمد بن سلمان آل سعود ولى عهد المملكة السعودية عن الشكر والامتنان لكرم الضيافة وحفاوة الاستقبال، وتهنئة المملكة العربية السعودية الشقيقة باستضافة القمة الأولى بين الدول العربية والصين.

الإخوة والأخوات،
نعلم جميعاً ما يجمع دولنا وشعوبنا من روابط ممتدة عبر التاريخ، فدولنا المجتمعة اليوم أسست الحضارة الإنسانية الحديثة التى نعيشها، حين ترافقت الحضارات الفرعونية وحضارة بلاد ما بين النهرين، وغيرها من حضارات منطقتنا العربية، مع الحضارة الصينية القديمة لتمثل شموساً بازغة لترشد الإنسانية فى مهدها، وتساعدها على أن تخطو خطواتها الأولى.

وقد تعززت الشراكة بين شعوبنا وبلادنا مع نهوض الحضارتين العربية والإسلامية، فتلاقتا مع الحضارة الصينية العريقة على قاعدة متينة وراسخة من التواصل الإنسانى والثقافى والتجارى، بما كفل تبادل الأفكار وتلاقى الثقافات، فقدمت بلداننا منذ فجر التاريخ إلى العالم مفهوم الدولة الوطنية بكامل اركانها، وتمسكت فى سعيها نحو التقدم الحضارى بالتوازن بين الجانبين المادى والروحى للوجود الإنسانى، ثم خضنا معاً فى التاريخ الحديث معاركاً متعددة من اجل التحرر والاستقلال السياسى، ومن أجل التنمية وبناء الاقتصاد، ومازلنا نعمل على إقرار نظام عالمى أكثر عدالة يتأسس على القيم الإنسانية وقواعد القانون الدولى، وصولاً إلى التعاون العربى الصينى المثمر من خلال "المنتدى العربى- الصينى" وآلياته المختلفة، الذى يجمعنا اليوم.

ولقد تأسس التعاون العربى الصينى، على تعظيم المنفعة والمصالح المشتركة ومواجهة التحديات التنموية، وتعزيز التعاون "جنوب/ جنوب" وتقديم أولويات حفظ الأمن والسلم الدوليين، وصيانة النظام الدولى المرتكز على ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولى، وإيجاد حلول سياسية سلمية للأزمات الدولية والإقليمية، واحترام خصوصية الشعوب وحقها فى الاختيار دون وصاية أو تدخلات خارجية، ورفض التسييس لقضايا حقوق الإنسان، وتعزيز حوار الحضارات وتقارب الثقافات، والتعاون فى مواجهة تحديات التغير المناخى وتفشى الأوبئة، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، ومكافحة خطر الإرهاب والأفكار المتطرفة كلما وجدت وأينما كانت.

على تلك الأسس، يكتسب اجتماعنا اليوم رمزية وأهمية خاصة، لاسيما فى هذا التوقيت الدقيق الذى يشهد متغيرات دولية وأزمات عالمية متعاقبة تلقى بتحديات بالغة الخطورة. فأمام التحديات الجسام ترتفع أهمية استدعاء كافة قدرات التعاون الكامنة بين الأصدقاء والأشقاء، لاسيما إذا كانت قائمة على أسس صلبة للتفاهم والتنسيق كتلك القائمة بين العالم العربى والصين.

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
لعل من أخطر ما يواجهه العالم - وبخاصة الدول النامية - اليوم، هو أزمة الغذاء وتبعاتها، وهو ما يدفعنا لتوثيق الشراكة العربية/الصينية فى مواجهة هذا التحدى، عبر تعزيز أطر التعاون متعدد الأطراف لتطوير الاستجابة الدولية السريعة والفعالة لحاجات الدول النامية، والتعاون فى إطار التعاون جنوب-جنوب لتطوير الزراعة والصناعات الغذائية، ونقل وتوطين التكنولوجيا وبناء القدرات وتحسين البنية التحتية فى المناطق الريفية، ونقل تكنولوجيا الزراعة ونظم الرى الحديثة المستدامة.

ولقد أثقلت هذه الأزمات كذلك كاهل دولنا وموازناتها الحكومية، وهو ما يتطلب دفع المجتمع الدولى لتخفيف عبء الديون على الدول التى تعانى من ارتفاع فاتورة استيراد الغذاء والطاقة، مع العمل على تعزيز النظام التجارى متعدد الأطراف القائم على القواعد، وإعادة صياغة أطر حوكمة الاقتصاد الدولى والمؤسسات المالية الدولية لتكون أكثر عدالة وشفافية، فتشمل الجميع ولا تستبعد الدول النامية، وتكون أكثر استجابةً للتحديات التى تواجهها تلك الدول، وأن يُعاد تركيز مهامها على تحقيق أهداف التنمية المستدامة وفى القلب منها القضاء على الفقر.

ورغم التحديات العالمية التى أشرتُ لبعضها، والاستقطاب الدولى الحاد، نجحت الرئاسة المصرية للقمة العالمية للمناخ COP27 فى إقناع المجتمع الدولى بالتوصل إلى توافق حول عدد كبير من الأمور الحيوية، على رأسها إنشاء صندوق الخسائر والأضرار، والاتفاق على خطوات جادة لتفعيل وتنفيذ التعهدات الدولية الخاصة بالتمويل، إضافةً إلى إجراءات التكيف والتخفيف، وذلك على نحو متوازن. وأننى أثق فى أن تعاوننا جميعاً طوال فترة الرئاسة المصرية - سواء ثنائياً أو من خلال "منتدى التعاون العربى الصينى" - سيكفل تنفيذ التعهدات الدولية الخاصة بالمناخ، وعلى رأسها تلك المتعلقة بالتمويل من جانب الدول المتقدمة.

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
لقد تجسدت إرادتنا فى تعزيز التعاون المؤسسى المشترك مع تدشين "منتدى التعاون العربى الصينى" عام 2004، وتبلغ اليوم تلك الإرادة ذروتها باجتماع القمة العربية الصينية الأولى. ولا شك أننا جميعاً لن ندخر جهداً من أجل تعزيز ودعم الشراكات القائمة بيننا، وعلى رأسها الشراكة فى إطار مبادرات "الحزام والطريق"، و"التنمية الدولية"، وما تحمله من فرص لتعميق التعاون العربى الصينى، وزيادة فرص الاستثمار فى مختلف المجالات.

وإننى أدعو الجميع اليوم إلى اعتبار انعقاد هذه القمة بمثابة علامة انطلاق جديدة للتعاون الاقتصادى بين العالم العربى والصين، حيث أن الصين، ورغم كونها بالفعل الشريك التجارى الرئيسى لعدد كبير من دولنا العربية، فضلاً عن ما يجمعنا من تعاون استثمارى جوهرى، إلا أن آفاق التعاون بين بلداننا لازالت رحبة، وبإمكاننا تحقيق المزيد والمزيد فى مجالات اقتصادية وتنموية وتكنولوجية عدة.

وإن آفاق التعاون العربى الصينى، وفرص تطويره، لا تقتصر فقط على الشق الاقتصادى والتنموى، بل تمتد إلى الآفاق السياسية والثقافية، فقد كانت السياسات الصينية المتوازنة تجاه مختلف القضايا العربية بشكل عام، وتجاه القضية الفلسطينية بشكل خاص، ودعم الجانب الصينى للحق الفلسطينى المشروع فى إقامة الدولة الفلسطينية على خطوط الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، محل تقدير واحترام بالغين فى العالم العربى. ولقد بادلت الدول العربية تلك المواقف الصينية المتزنة والداعمة، بمواقف مساندة للصين ومتفهمة لقضاياها وشواغلها.
وإن هذا التقارب فى الرؤى والمنطلقات يشجعنا على المزيد من التنسيق إزاء مختلف القضايا الدولية والاقليمية ذات الأولوية لكل منا، واستناداً على قاعدة احترام سيادة الدول وعدم التدخل فى الشئون الداخلية، يمكننا التعاون لبحث سبل معالجة الأزمات فى سوريا وليبيا واليمن، وغيرها من الملفات، وفى مواجهة الإرهاب بكافة صوره وأشكاله، وإنهاء معاناة الشعوب وإحلال الأمن والسلام وتقديم أولويات التنمية على الصراع والتنازع.

الأخوة والأخوات،
اسمحوا لى أن أعيد التأكيد مرة أخرى، على قضية أثق أنها تؤرقنا جميعاً، لما تحمله من قيود على التنمية، وتفرضه من مخاطر ترقى إلى حد التهديدات الوجودية، ألا وهى قضية "الأمن المائى العربى".
وإننى لهذا أدعو إلى وضع هذه المسألة على رأس أولويات تعاوننا المستقبلى ضمن منتدى "التعاون العربى الصينى"، وبحث كيفية التعاون لمواجهة هذا التحدى، بمختلف الأدوات التكنولوجية والاقتصادية، والسياسية.

كما أننى أود أن أجدد الدعوة للأشقاء فى إثيوبيا إلى الانخراط بحسن النية الواجب مع مصر والسودان للتوصل إلى اتفاق قانونى ملزم، يُؤَمّن للأجيال الحالية والمستقبلية حقها فى التنمية ويجنبها ما يهدد استقرارها وأمنها وسلامتها.

وختاماً،
أقول إنه بهذا التاريخ الفريد الذى تميز به التواصل العربى- الصينى الإنسانى والحضارى الدافق، وبتعدد القواسم المشتركة فى الرؤى والمفاهيم، وبما يضمه "منتدى التعاون العربى – الصينى" من آليات، وبرامج ومقترحات، فكلى ثقة أن انعقاد قمتنا الحالية سيعطى دفعة ملموسة للتعاون العربى/الصينى بكافة صوره، وأننا حين نجتمع مجدداً فى المستقبل القريب سنكون قد أنجزنا الكثير، وقطعنا أشواطاً إضافية فى مسارات التعاون بيننا.

وإننى من هنا – وتأكيداً على اعتزاز مصر ودعمها الكامل لآليات التعاون العربى/ الصينى، يسعدنى أن أدعو أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، إلى قبول تقدم مصر بأن تكون دولة الاستضافة العربية التالية للقمة العربية الصينية حين يتحدد تاريخ عقدها بإذن الله.
وفقنا الله جميعا لما فيه الخير،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
                                           
ads
ads
ads