مطار أم طريق سريع؟.. اكتشف أغرب مطارات العالم في جبل طارق

مطار يستخدم الطريق العام كمدرج للطائرات

في عالم الطيران المليء بالتصميمات المعقدة والمدارج العملاقة، يبرز مطار جبل طارق (North Front Airport) كأحد أغرب المطارات في العالم وأكثرها تميزًا من حيث البنية الهندسية والموقع الجغرافي.
يُعرف المطار، الواقع في منطقة جبل طارق البريطانية المتاخمة للحدود الإسبانية، بميزة فريدة من نوعها: مدرجه يقطع الطريق الرئيسي المستخدم من قِبل السيارات والمشاة!

تقاطع طائرات وسيارات في شارع ونستون تشرشل

الشارع المعروف باسم شارع ونستون تشرشل هو الطريق الوحيد الذي يربط شبه جزيرة جبل طارق بالحدود البرية مع إسبانيا، وهو أيضًا المكان الذي يعبر مدرج المطار الوحيد، ما يجعل التنسيق بين حركة الطيران والسيارات أمرًا فريدًا من نوعه على مستوى العالم.

عندما تقترب طائرة من الهبوط أو تستعد للإقلاع، يتم إغلاق الطريق أمام السيارات تمامًا عبر حواجز حديدية أوتوماتيكية، مشابهة لتلك الموجودة على معابر السكك الحديدية. بعد عبور الطائرة، يتم فتح الطريق مجددًا وتُستأنف حركة المرور بشكل طبيعي.

موقع استثنائي يفرض حلولًا استثنائية

يقع مطار جبل طارق على أرض صغيرة جدًا، حيث لا تتجاوز مساحة المنطقة الكاملة لجبل طارق 6.8 كيلومتر مربع فقط.
هذه المساحة المحدودة جدًا أجبرت السلطات على ابتكار حل فريد يسمح ببناء مدرج طيران دون الإضرار بالبنية التحتية الحيوية.
وبما أنه لا توجد أراضٍ مسطحة كافية، لم يكن أمامهم سوى استخدام الشارع الرئيسي نفسه كامتداد للمدرج.

ورغم أن فكرة التقاء حركة السيارات والطائرات قد تبدو غريبة أو خطيرة، إلا أن الإجراءات الأمنية في المطار صارمة للغاية، ولا يتم السماح لأي مركبة بالمرور أثناء عمليات الهبوط أو الإقلاع، ما يجعل المطار آمنًا تمامًا رغم غرابة تصميمه.

مطار مدني بطابع تاريخي: من قاعدة عسكرية إلى نقطة عبور حديثة

تم إنشاء مطار جبل طارق في الأصل خلال الحرب العالمية الثانية، حيث كانت المملكة المتحدة بحاجة إلى قاعدة جوية في المنطقة لدعم عملياتها العسكرية في البحر المتوسط.
وقد تم بناء المدرج فوق مضمار سباق خيول قديم، وشكّل حينها موقعًا استراتيجيًا مهمًا للبريطانيين.
تم افتتاح المطار رسميًا في عام 1939، ولا يزال يُستخدم حتى اليوم، ولكن كمنشأة مدنية بالكامل.

حركة الطيران محدودة ولكن منتظمة

رغم شهرته العالمية، إلا أن مطار جبل طارق لا يُعد من المطارات المزدحمة.
فالمطار يُسير نحو 30 رحلة أسبوعيًا فقط، تتجه معظمها إلى وجهات في المملكة المتحدة، مثل لندن ومانشستر وبريستول.
ولا توجد رحلات مباشرة من جبل طارق إلى إسبانيا، بسبب حساسية العلاقات بين البلدين حول السيادة على المنطقة.

ومن ناحية الحجم، فإن المطار صغير نسبيًا مقارنة بالمطارات الدولية الأخرى، لكنه يقدّم خدمة متكاملة للمسافرين، بما في ذلك منطقة تسوق، ومرافق انتظار، وخدمات شحن وخدمة المسافرين من ذوي الاحتياجات الخاصة.

تجربة سفر مختلفة لا تُنسى

السفر من أو إلى مطار جبل طارق ليس مجرد رحلة جوية، بل هو تجربة فريدة بحد ذاتها.
فركاب الطائرة يمرّون فوق الطرق، والسيارات تنتظر عبور الطائرة وكأنها تمرّ من معبر قطار، وكل ذلك وسط خلفية طبيعية ساحرة تطل على صخرة جبل طارق الشهيرة وبحر المتوسط.

وحتى المسافرون غير المعتادين على الطيران، يعترفون بأن مطار جبل طارق يقدّم تجربة سفر استثنائية ومختلفة عن أي مطار آخر في العالم.

إجراءات أمن وسلامة عالية المستوى

ورغم البنية التحتية الفريدة، فإن المطار يُطبق أعلى معايير السلامة، حيث يتم التحكم في حركة المرور عبر إشارات إلكترونية دقيقة وحواجز أمنية تُدار من برج المراقبة، لضمان عدم وجود أي تداخل بين حركة السيارات والطائرات.

وهو ما جعل مطار جبل طارق يُصنّف ضمن المطارات الآمنة عالميًا رغم طبيعته الفريدة من نوعها، كما أنه يحظى بمتابعة واهتمام دائم من وسائل الإعلام، وهواة الطيران، وحتى المسافرين المغامرين الباحثين عن تجارب غير تقليدية.

هل سيبقى مطار جبل طارق كما هو؟

رغم مرور العقود، لا تزال السلطات تحتفظ بتصميم المطار كما هو، مع إدخال بعض التحديثات التكنولوجية، لكن لم يتم حتى الآن إنشاء مدرج بديل منفصل عن الشارع، بسبب ضيق المساحة الجغرافية وصعوبة التوسعة دون المساس بالبيئة الطبيعية أو الحدود السياسية.

 تحفة هندسية ووجهة لعشاق الطيران

يُعد مطار جبل طارق ليس فقط محطة جوية، بل معلمًا هندسيًا ومعماريًا فريدًا، يجمع بين التاريخ والجغرافيا والحلول الإبداعية.
وإذا كنت من عشاق السفر والمطارات الغريبة، فإن زيارة هذا المطار – أو حتى الهبوط فيه – ستكون بلا شك تجربة لا تُنسى.