بوتين يسلك طريقًا غير مسبوق إلى بودابست لحضور قمة مع ترامب بعد منعه من المرور بالأجواء الأوروبية

في تطور جوي ودبلوماسي غير مسبوق، كشفت تقارير روسية ودولية أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قرر اتخاذ مسار جوي بديل يبلغ طوله أكثر من 5,000 كيلومتر للوصول إلى العاصمة المجرية بودابست، حيث من المقرر أن يعقد قمة مهمة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال الأيام المقبلة.
ويأتي هذا القرار بعد أن أغلق الاتحاد الأوروبي مجاله الجوي أمام الطائرات الروسية منذ عام 2022، على خلفية العقوبات المفروضة بسبب الحرب في أوكرانيا، الأمر الذي جعل الطائرة الرئاسية الروسية من طراز "إيل-96" مضطرة لتجنّب المجال الأوروبي تمامًا.
مسار بديل بطول 5,000 كم لتجنّب الأجواء الأوروبية
بحسب المصادر، ستغادر الطائرة الرئاسية الروسية من موسكو متجهة جنوبًا عبر المجال الجوي لكل من تركيا واليونان ومقدونيا الشمالية وصربيا، لتصل بعدها إلى بودابست دون المرور بأي دولة من دول الاتحاد الأوروبي أو الناتو.
هذا المسار يُعتبر أطول بثلاث ساعات من الرحلة المعتادة، لكنه يمثل الخيار الوحيد المتاح في ظل استمرار الحظر الجوي الأوروبي على روسيا.
وتشير تقارير إلى أن روسيا أجرت تنسيقًا مكثفًا مع السلطات التركية واليونانية لضمان مرور الرحلة بأمان، وسط إجراءات أمنية مشددة تشمل مراقبة الأقمار الصناعية والطائرات المقاتلة المرافقة.
تنسيق روسي–تركي لضمان الممر الجوي الآمن
أفادت تسريبات إعلامية بأن الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان أجريا اتصالات مباشرة خلال الأيام الماضية لترتيب تعاون عسكري غير مسبوق يهدف إلى حماية الرحلة الرئاسية الروسية أثناء مرورها فوق البحر الأسود.
وبموجب الاتفاق المبدئي، ستتولى مقاتلات روسية من طراز Su-35 وطائرات تركية من طراز F-16 مرافقة الطائرة الرئاسية في ممر جوي مشترك يطلق عليه "الممر الآمن فوق البحر الأسود".
ويُعد هذا التعاون العسكري تطورًا لافتًا، خاصةً بعد حادثة عام 2015 حين أسقطت تركيا طائرة روسية قرب الحدود السورية، مما أدى إلى أزمة دبلوماسية بين البلدين.
لكن العلاقات بين موسكو وأنقرة شهدت لاحقًا تقاربًا استراتيجيًا من خلال مشروعات الطاقة، ومنظومة الدفاع الجوي S-400، والتنسيق في الملف السوري، وهو ما مهّد لعودة الثقة بين الجانبين في ظل التوتر الدولي الحالي.
القمة المنتظرة بين بوتين وترامب في بودابست
قمة بوتين–ترامب في بودابست تأتي في توقيت حساس للغاية، حيث تسعى واشنطن لإعادة فتح قنوات الحوار مع موسكو بشأن مستقبل الحرب في أوكرانيا، خصوصًا بعد الجمود الذي أصاب الجبهة الأوكرانية مؤخرًا.
ومن المتوقع أن تتناول القمة ملفات الاستقرار الاستراتيجي، وتقليص المخاطر النووية، ومستقبل الأمن الأوروبي، إلى جانب مقترحات حول اتفاق جديد للحد من التسلح.
كما تشير مصادر دبلوماسية إلى أن ترامب يسعى لتقديم مبادرة تهدف لإنهاء الصراع في أوكرانيا عبر وقف إطلاق نار تدريجي، مقابل تخفيف تدريجي للعقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا.
وتُعد بودابست، التي ترتبط بعلاقات متوازنة مع موسكو وواشنطن على حد سواء، موقعًا مثاليًا لعقد هذه القمة، حيث رحّب رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان باستضافتها، مؤكدًا أن "المجر مستعدة لأن تكون منصة للحوار والسلام بين الشرق والغرب".
دلالات سياسية ودبلوماسية عميقة
يرى مراقبون أن رحلة بوتين الطويلة إلى بودابست لا تعبّر فقط عن تحدٍ للعقوبات الأوروبية، بل تحمل أيضًا رسالة رمزية حول إصرار موسكو على البقاء فاعلًا رئيسيًا في السياسة الدولية رغم العزلة الغربية.
كما أن التعاون العسكري الروسي–التركي في هذه المهمة قد يمثل نموذجًا جديدًا للتوازن بين المصالح، ويؤكد أن أنقرة باتت لاعبًا محوريًا في معادلة الأمن الإقليمي والدولي.
ويرى بعض المحللين أن قمة بودابست قد تشكل نقطة تحوّل في العلاقات الروسية–الأمريكية، خصوصًا إذا نجح ترامب في إقناع بوتين بتهدئة التصعيد العسكري في أوكرانيا، أو فتح قنوات إنسانية جديدة لتبادل الأسرى والمساعدات.
بوتين يوجّه رسالة إلى الغرب من السماء
بصرف النظر عن نتائج القمة، فإن مجرد نجاح الطائرة الرئاسية الروسية في عبور المسار الجديد دون المرور بالأجواء الأوروبية سيكون بمثابة استعراض قوة دبلوماسية وجوية لموسكو.
فالرحلة التي يبلغ طولها 5 آلاف كيلومتر ترمز إلى قدرة روسيا على التحرك بحرية رغم القيود الغربية، وإلى إصرارها على فرض حضورها في المشهد العالمي.
وبينما تراقب العواصم الأوروبية هذا الحدث بقلق، يبدو أن قمة بودابست 2026 ستعيد رسم خريطة التحالفات الدولية، وربما تُمهّد لمرحلة جديدة من التفاهم بين واشنطن وموسكو، بعد سنوات من المواجهة.