رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير
محمود عبد الحليم
رئيس التحرير التنفيذي
فريد همودى
ads

هالة الكردي تكتب| «زي القرع يمد لبره»

الجمعة 19/نوفمبر/2021 - 12:51 ص
الحياة اليوم
هالة الكردي
طباعة

بالأمس ذهبت مع رفقتي لواحد من أشهر المقاهي بالقاهرة الجديدة، حيث الرقي والتحضر، وكلاسيكية الديكور وتفنن العاملين في إسعاد كل زائر لهذا المكان.
جلسنا وطلب كل منا مشروبه الأول حتي نفتتح احاديثنا التي لا تنتهي من مواقف وأحداث بحاجة لأن نتشاركها سويا مرت علينا منذ آخر مرة التقينا فيها، ولكن إذا بأشخاص آخرين دخلو المكان وجلسو بالطاولة المجاورة لنا ولسوء حظهم أنهم جلسو بالقرب من الشخص الذي يتمتع بالنسبة الأعلي من الفضول والتركيز في تفاصيل كل ما ومن يحيط به وهذا الشخص هو أنا.
شابان اسمران البشرة وهما بكل تأكيد من أهل المكان وفتاتان يغلب عليهما  الطابع الأجنبي، ولكني لم استطع تحديد هويتهم من مجرد لون البشرة أو لون الشعر أو حتي ملبسهم، حتي بدأ أحدهم بالحديث باللغة الإنجليزية فتأكدت فورا من ظنوني بأنهما اجنبيتان، ولكني حقيقة لم أعرف بعد سبب وجودهما، أهو العمل أم السياحة أم زيارة رفيقيهما.
بدأت استمع وبدقة لحديث الشاب، وبالمناسبة لم يكن استراق للسمع أبدا ولكن صوته الجهور المتشبع بالأنانية والعجرفة وكأنه فخور بنفسه دفعه لأن يسرد تفاصيل حياته ويكشف عورة وحرمة بيته التي أنا علي وشك سردها عنه بصوت عال مسموع لثلاث أو أربع طاولات محيطة به علي الأقل، إذن ما الضرر في التركيز لقصة أراد هو أن يُسمعها لكل من حوله؟
بدأ حديثه لإحدي الفتاتان بأسئلة عن عمرها الحقيقي، واسمها الحقيقي، وطبيعة عملها الحقيقي، فأخبرته.. مما أثار تعجبي، فكيف تواعدا علي الخروج معا ولا يعلم أيا منهما علي الأقل اسم الآخر الحقيقي! 
وبعد أن عرف اسمها أصبح يسألها عن لونها المفضل، نوع سيارتها في بلدها، وأصبح الحديث في بدايته اشبه بكشف الهيئة لموظفي الحكومة المرموقين، فأجابته أيضا، وسرعان ما بدأ يشكو ويلعن زوجته التي هي سبب بؤسه وكرهه للحياة إلي أخره كما يعلم معظمنا باقي صفات الزوجة الأصيلة الغنية عن التعريف.
فسألته الفتاة الجميلة لماذا تكرهها هكذا؟ 
فكان رده القاطع مستنكرا، أريدك أن تتخيلي زوجا يستيقظ من نومه صباحا فلا يجد من يحنو عليه أو يجد من يبتسم في وجهه حتي يبدأ يومه التعيس؟ 
تخيلي زوجا يذهب لعمله الذي يبغضه (مجبرا مكرها) حتي يلبي لها احتياجاتها واحتياجات منزلها ويضيع من عمره يوميا تسع ساعات أو أكثر أو أقل ليعود إلي بيته منهك فلا يجد أيضا من يحنو عليه بابتسامة أو بكلمة أو بحضن دافئ يزيل عنه هموم وضغوط يومه أو بوجبة لذيذة تعيد له شهيته التي افتقدها علي مدار اليوم وبالأخير لا يجد زوجة لطيفة تبادله من المشاعر اللطيفة ما كان يمني به نفسه طوال اليوم وبالتالي لا مجال لاحتمالية التكهن بحدوث علاقة.
الغريب والمضحك في الأمر حينما نظرت إليه بعد ما استمعت بدقة لشكواه المعهودة المحفوظة عن ظهر قلب في مجتمعاتنا أن صديقه كان يوميء برأسه شفقة عليه وكأنه دون أن يهمس بكلمة كان يؤكد علي كل ما نطق به صديقه فبالطبع (الصديق وقت الضيق)، وشعرت الفتاة بمدي القهر والظلم والجفاء الذي يعيشه هذا الشاب الذي لا حول له ولا قوة مستنكرة تصرف تلك الزوجة الشنيعة، وبدأت أنظر له نظرة استعجاب ولسان حالي يردد (يا عيني عليك) وبدأت تساورني الشكوك والأسئلة حول ما إذا كان صادقا أو متلاعبا؟ وإن كان صادقا وهو من رابع المستحيلات فلماذا يشكي همه وتفاصيل حياته وكشف عورة بيته لأجنبية؟ الآن بنات بلده سيكشفونه فور تفوهه بكلمة واحدة!
أم هو اعمالا بالمثل الشهير (زي القرع يمد لبرة) 
وإذا كانت حياته بمثل هذا الجحيم فلماذا لم يشكيها لوالدتها أو والدته؟ أو لماذا لم يحاورها مباشرة فكما فهمت من كلامه إنهما حديثي الزواج رغم شكي بزيف القصة برمتها نظرا لحداثة سنة، وإذا كان في تلك السن الصغيرة لماذا تزوج من البداية؟ 
وبدأت أتساءل عن شكواه وهو يسرد أنه يعمل من أجل تلبية احتياجاتها، أو ليس هذا هو دوره كزوج أن صدق؟ وكيف يمُن علي زوجته بواجباته؟ 
وإن كان صادقا وهي بالفعل تعكر عليه صفو حياته، ألم يتساءل أحدكم أن كان هو سبب هذا الجفاء؟ 
إذا كان ليل نهار يملي عليها المجهود الجبار الذي يبذله في سبيل راحتها فمن المؤكد أنها لن تشعر بالسكينة وبالتالي لن تستطيع أن تعطي مالم يُعطي لها! وإذا كان يبغض عمله بهذا الشكل لماذا تقدم للزواج بها أصلا (إن كان صادقا)؟ نعم كررتها أكثر من مرة لأنني أشعر بأن هذه قصة مبتكرة من أجل الوصول لأهداف أخري.
العجيب في الأمر أيضا إنني اندمجت معهم ونسيت رفقتي الذين لم يكفو عن الضحك من تلك اللحظة التي شعرو فيها إنني انفصلت فيها عنهم بعقلي الذي انتقل للطاولة المجاورة رغم إنني أجلس بينهم بجسدي فقط…
                                           
ads
ads
ads