رئيس التحرير
محمود عبد الحليم
رئيس التحرير التنفيذي
فريد علي
ads

القفازات ورد الفعل والفيزياء.. ثلاثية تضمن نجاح حارس المرمى في الإمساك بالكرة

الأحد 21/سبتمبر/2025 - 12:15 م
الحياة اليوم
محمود السعدي
طباعة

حرلسة المرمى ليست مجرد رد فعل سريع أمام تسديدة قوية، بل هي عملية فيزيائية معقدة يجريها حارس المرمى في لحظة خاطفة دون وعي منه، والسؤال هنا كيف يستطيع حارس المرمى إيقاف كرة تنطلق بسرعة قد تصل إلى 200 كيلومتر/ساعة وتحويلها إلى حالة سكون تام بين يديه؟ خيث أن هذا السؤال يمثل مزيجاً بين علم الفيزياء وفن كرة القدم، وهو ما سنشرحه في هذا التقرير بالتفصيل.

إمساك الكرة بالنسبة لحارس المرمى ليس مجرد إنقاذ عابر، بل هو عنصر حاسم يغير مجرى المباراة. فالتقاط الكرة بشكل صحيح يوقف خطورة الهجمة بنسبة 100٪، ويمنح الفريق ثقة مضاعفة، ويُحبط معنويات الخصم، كما يتيح فرصة بناء هجمة مرتدة سريعة قد تنتهي بهدف يبدل الخسارة إلى فوز.

كما أن إجادة الإمساك بالكرة تعد الفارق الجوهري بين حارس متميز وآخر أقل مهارة. فهي مهارة تتطلب لياقة بدنية عالية، وقدرة على التقدير السليم لقوة التسديدة ومقدار المقاومة اللازمة لاحتوائها.

عند تسديد الكرة، يبدأ الحارس عملية ذهنية-فيزيائية لحساب قوة الكرة وتحديد قوة المقاومة التي يجب أن يوفرها بيديه، فإذا بالغ في المقاومة وأعطاها قوة أكبر من اللازم، ترتد الكرة من يديه إلى الملعب مانحة الخصم فرصة متابعة الهجمة. أما إذا كانت المقاومة أقل من قوة الكرة، فإنها تمر من بين يديه وتسكن الشباك.

ومن هنا تتضح أهمية الوصول إلى معادلة دقيقة: مقاومة الحارس يجب أن تكون مساوية تماماً لقوة الكرة. هذه العملية الطردية تعتمد على دقة تقدير الحارس، وكلما أحسن التقدير زادت احتمالات النجاح.

المعادلة التي يطبقها الحارس بشكل لا واعٍ هي القاعدة الفيزيائية الشهيرة:
"لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه".

  • فعل الكرة: قوة وسرعة كبيرة في اتجاه المرمى.
  • رد فعل الحارس: مقاومة مساوية في المقدار لكنها معاكسة الاتجاه نحو الملعب.

وبمجرد أن تتساوى القوتان، تصبح سرعة الكرة صفر، أي أن الكرة تستقر في يد الحارس.

حتى مع التقدير الصحيح، قد ترتد الكرة قليلاً نتيجة قوتها وسرعتها العالية، وهنا يأتي دور عاملين رئيسيين:

  1. امتصاص قوة الكرة عبر حركة اليدين وسحبها للداخل بشكل مرن.
  2. جودة خامة القفاز التي تساعد على تثبيت الكرة وتقليل احتمالية ارتدادها.

وبدمج هذين العاملين، يستطيع الحارس التحكم الكامل بالكرة، وتحويل أخطر التسديدات إلى فرصة بناء هجمة مرتدة.

لنفترض كرة سرعتها 360,000 متر/ثانية، وكتلتها تساوي 0.45 كجم تقريباً (وزن كرة القدم).
قوة الكرة = الكتلة × السرعة
= 0.45 × 360,000 = 162,000 نيوتن (N)

إذن، يحتاج الحارس إلى قوة مقاومة مساوية:
قوة مقاومة اليد = 162,000 × 0.224 ≈ 36,288 باوند

أما توزيع القوة بين امتصاص اليدين وخامة القفاز فيكون:
162,000 ÷ 2 = 81,000 نيوتن لكل منهما.

وبذلك تنخفض سرعة الكرة تدريجياً حتى تصل إلى الصفر، أي إلى حالة الثبات في يد الحارس.

لا يقف الأمر عند الجانب الفيزيائي والعضلي فقط، بل يلعب العامل النفسي والتركيز الذهني دوراً محورياً. فحارس المرمى الذي يتمتع بقدرة عالية على التركيز تحت الضغط يستطيع التقدير بدقة أكبر، ويمتلك رد فعل أسرع في مواجهة الكرات المفاجئة.

كما أن الثقة التي يمنحها الحارس لنفسه ولزملائه عند الإمساك بالكرة تزيد من تماسك الفريق وتمنحه دفعة معنوية قوية طوال المباراة.

يحتاج حراس المرمى إلى تدريبات خاصة على:

  • تقدير اتجاه وقوة الكرة عبر تدريبات التسديد القوي والمفاجئ.
  • تمارين رد الفعل السريع لتقليل زمن الاستجابة.
  • تقوية عضلات الذراعين واليدين لزيادة القدرة على المقاومة.
  • التدريب بالقفازات الاحترافية لتعويد اليد على التحكم والامتصاص.

إمساك حارس المرمى للكرة ليس مجرد مهارة عادية، بل هو عملية فيزيائية دقيقة يطبق فيها الحارس قوانين الطبيعة دون وعي. وبينما يرى المشجع كرة توقفت بين يديه، تكون هناك معركة صامتة بين قوة التسديدة ومقاومة اليد، يحسمها تقدير صحيح، ولياقة بدنية، وقفازات احترافية.

وبينما تتواصل التساؤلات حول سر براعة الحراس العظماء مثل جيجي بوفون، مانويل نوير، واليفر كان وغيرهم، يبقى السر الحقيقي أنهم يجمعون بين العلم والموهبة والتدريب.، فالحارس الذي يعرف كيف يحول سرعة الكرة من 200 كلم/ساعة إلى "صفر" في لحظة، هو الحارس الذي يغير تاريخ المباريات ويكتب اسمه في سجلات كرة القدم 


                                           
ads
ads
ads