الطائرة بوينج 777: التكنولوجيا التي جمعت بين القوة والدقة في طائرة واحدة

تُعد بوينغ 777 (Boeing 777) واحدة من أعظم الطائرات التي صنعتها شركة بوينغ الأمريكية، بل يصفها خبراء الطيران بأنها "التحفة الهندسية الطائرة".
فمنذ انطلاقها في منتصف التسعينيات، جسّدت هذه الطائرة مفهوم التكامل الكامل بين الأنظمة، حيث تعمل كل وحدة ميكانيكية أو إلكترونية أو رقمية بانسجام تام داخل منظومة واحدة ذكية تُعرف باسم:
"777 Systems in One Piece" أي "الأنظمة الموحّدة في قطعة واحدة".
هذه الفلسفة في التصميم جعلت طائرة بوينغ 777 من أكثر الطائرات أمانًا وكفاءة واقتصادًا في استهلاك الوقود، كما أنها أصبحت الخيار الأول لشركات الطيران الكبرى في الرحلات الطويلة العابرة للقارات.
نظام الطيران والتحكم الإلكتروني (Fly-by-Wire)
يُعتبر نظام التحكم في الطيران العقل العصبي للطائرة.
فبدلًا من الكابلات الميكانيكية التقليدية، تعتمد 777 على تقنية Fly-by-Wire، أي التحكم الإلكتروني الكامل.
كل حركة يقوم بها الطيار تُترجم إلى إشارات رقمية يتم تحليلها بواسطة حواسيب الطيران المركزية، والتي ترسل بدورها أوامر دقيقة للمشغلات الهيدروليكية.
هذا النظام يوفر ثلاث طبقات حماية من الأخطاء (Redundancy Layers)، تمنع أي مناورة خطيرة، وتحافظ على التوازن التلقائي للطائرة أثناء الاضطرابات الجوية.
نظام الدفع والمحركات العملاقة GE90
تعمل طائرة بوينغ 777 بمحركات عملاقة من طراز GE90 أو Rolls-Royce Trent 800 أو PW4000، وتُعد هذه المحركات الأقوى في العالم على الإطلاق.
يبلغ قطر محرك GE90 وحده أكبر من قطر طائرة بوينغ 737، ويتميز بكفاءة وقود مذهلة تقلل الاستهلاك بنسبة 20٪ مقارنة بالأجيال السابقة.
النظام مزود بتقنية EICAS لمراقبة أداء المحرك في الزمن الفعلي، كما أن الطائرة معتمدة وفق معيار ETOPS مما يتيح لها الطيران بأمان بمحرك واحد لمسافات طويلة في حالات الطوارئ.
النظام الكهربائي الذكي
النظام الكهربائي في بوينغ 777 هو بمثابة القلب النابض الذي يمد كل الأنظمة بالطاقة.
تحتوي الطائرة على مولدين أساسيين في كل محرك، إلى جانب مولد احتياطي ووحدة طاقة مساعدة (APU) تعمل في حالات الطوارئ.
تقوم الحواسيب المركزية بتوزيع الطاقة وفق الأولوية:
- أنظمة التحكم والطيران
- الإضاءة والتكييف
- الأنظمة الترفيهية والراحة
يُستخدم نظام Integrated Drive Generators (IDG) لضمان استقرار الجهد والتيار في جميع الظروف الجوية.
النظام الهيدروليكي القوي
يُعد النظام الهيدروليكي العضلات الفولاذية للطائرة، إذ يتحكم في تحريك الجنيحات (Flaps) والدفة (Rudder) والمكابح.
وتحتوي الطائرة على ثلاث دوائر هيدروليكية مستقلة (يسار، مركز، يمين) لضمان استمرار التشغيل في حال تعطل أي نظام.
تعمل المضخات بضغط يبلغ أكثر من 3000 psi لتوفير دقة واستجابة فورية في التحكم أثناء الطيران والإقلاع والهبوط.
نظام الوقود الذكي
يتكون نظام الوقود في بوينغ 777 من ثلاثة خزانات رئيسية (يسار، يمين، ووسط)، ويتم التحكم فيها إلكترونيًا عبر كمبيوتر الطيران المركزي الذي يُدير التوزيع للحفاظ على التوازن بين الجناحين.
كما يراقب النظام درجة حرارة وكثافة الوقود ويحسب المسافة المتبقية للطيران بدقة متناهية.
بفضل هذا التكامل، تضمن الطائرة كفاءة قصوى في استهلاك الوقود أثناء الرحلات الطويلة.
نظام إدارة الرحلة (FMS)
يُعتبر نظام إدارة الرحلة هو العقل الإلكتروني للطائرة، إذ يقوم بتخطيط المسار المثالي، وتحديد السرعة، والارتفاع، وحساب كمية الوقود المطلوبة.
يتكامل النظام مع الطيار الآلي (Autopilot) وأنظمة الملاحة عبر الأقمار الصناعية (GPS/IRS) لتحديد الاتجاهات بدقة متناهية.
كل ما يحتاجه الطيار هو إدخال الوجهة فقط، بينما يتولى النظام إدارة كل التفاصيل التقنية أوتوماتيكيًا.
نظام المقصورة والراحة
تتميز المقصورة في طائرة بوينغ 777 بأنظمة ذكية للتحكم في الضغط والحرارة والإضاءة.
فـ نظام الضغط Cabin Pressurization يحافظ على راحة الركاب حتى على ارتفاع 40 ألف قدم، بينما يقوم نظام التكييف الآلي بتنظيم درجة الحرارة في كل جزء من الطائرة.
كما تُستخدم إضاءة LED ديناميكية تتغير تلقائيًا حسب مرحلة الرحلة (الإقلاع – التحليق – الهبوط) لتقليل إجهاد الركاب.
نظام السلامة والطوارئ
تشمل أنظمة الأمان أجهزة الكشف عن الدخان والحرائق، وأبواب الطوارئ المزودة بانزلاقات سريعة (Emergency Slides)، ونظامًا آليًا لإخماد الحرائق داخل المحركات وأقسام الشحن.
يتم اختبار هذه الأنظمة دوريًا وفق معايير FAA وEASA لضمان أعلى مستويات السلامة العالمية.
التكامل الرقمي الكامل “777 Systems in One Piece”
السر الحقيقي وراء نجاح بوينغ 777 هو شبكة التكامل الرقمي الداخلية التي تربط جميع الأنظمة عبر ناقل بيانات ARINC 629.
فإذا لاحظ نظام الوقود مثلًا خللًا في الضغط، فإنه يُرسل تلقائيًا إشارة إلى نظام الطيران، الذي يقوم بدوره بتعديل قوة الدفع في المحرك المقابل لضمان التوازن وكل ذلك دون أي تدخل من الطيار.
حقائق مذهلة عن بوينج 777
- تتألف من أكثر من 3 ملايين قطعة منفصلة تم تجميعها بدقة هندسية عالية.
- تحتوي على أكثر من 1500 كيلومتر من الأسلاك و50 كيلومترًا من الأنابيب.
- مزودة بـ 6 حواسيب رئيسية تعمل في وقت واحد لضمان اتخاذ القرارات الآمنة.
- تستطيع التحليق لمسافة تتجاوز 14,000 كيلومتر دون توقف.
- كانت أول طائرة ركاب تُصمم بالكامل على الحاسوب باستخدام نظام CATIA من شركة Dassault الفرنسية.