السعودية تدخل عصر الطائرات الصناعية الذكية بفضل “الوحش الهجين”

في إنجاز علمي وهندسي غير مسبوق، أعلنت شركة أرامكو السعودية بالتعاون مع جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست KAUST) عن تطوير أول طائرة سعودية بدون طيار هجينة قادرة على الطيران والزحف في آن واحد، تحت اسم "HUCT – Hybrid Unmanned Crawling & Flying Technology"، والتي أطلق عليها المهندسون لقب “الوحش الهجين” لما تمتلكه من قدرات تقنية فريدة تجمع بين المرونة والدقة والاستدامة.
ابتكار سعودي 100٪.. من الفكرة إلى التنفيذ
جاءت فكرة الاختراع من المهندس السعودي سعيد بن عبدالرزاق الزهراني من منطقة الباحة جنوب المملكة، وهو أحد الكفاءات الوطنية المتخصصة في هندسة الطيران والفضاء.
عمل الزهراني وفريقه في كاوست على تطوير نموذج الطائرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، ضمن مشروع مشترك مع أرامكو لتطوير حلول ذكية لفحص أنابيب النفط والمنشآت الصناعية من الداخل والخارج، دون الحاجة إلى إيقاف الإنتاج أو المخاطرة بالعنصر البشري.
يقول الزهراني في تصريح صحفي:
“هدفنا أن نصنع طائرة سعودية قادرة على الوصول إلى الأماكن التي لا يمكن للإنسان الوصول إليها بأمان، وأن نُثبت أن العقول السعودية قادرة على المنافسة عالميًا في مجالات الهندسة والذكاء الصناعي.”
"HUCT".. مزيج من الطيران والزحف
تتميّز HUCT بكونها الطائرة الأولى في العالم القادرة على التحليق فوق المنشآت ثم الهبوط والزحف داخل الأنابيب أو بين الأجهزة الدقيقة، باستخدام نظام حركة مزدوج يجمع بين الدفع الهوائي والعجلات الميكانيكية المرنة.
وتم تزويدها بمجموعة من الكاميرات الحرارية ثلاثية الأبعاد، وأجهزة استشعار دقيقة مدعومة بأنظمة ذكاء اصطناعي متطورة (AI) لتحليل البيانات والكشف الفوري عن أي تلف أو تسرب في الأنابيب.
هذه التقنية تُمكّن الطائرة من تنفيذ عمليات فحص آلية شاملة داخل المنشآت النفطية العملاقة، في بيئات خطرة يصعب على الإنسان دخولها، مما يجعلها أحد أكثر الابتكارات كفاءة في مجال السلامة الصناعية وتقنيات الصيانة التنبؤية.
إنجاز يخدم قطاع الطاقة السعودي والعالمي
تُستخدم طائرة HUCT حاليًا داخل منشآت شركة أرامكو السعودية في عدد من مواقع الإنتاج والأنابيب الممتدة في مناطق نائية، حيث ساهمت التقنية الجديدة في خفض تكاليف الصيانة بنسبة تفوق 40٪، وتجنّب العديد من الحوادث البشرية المحتملة، إلى جانب رفع كفاءة الفحص الدوري وجودة البيانات التي يتم تحليلها عبر منظومة ذكية متصلة سحابيًا.
ووفقًا لتقارير فنية داخل أرامكو، فقد حقق هذا الابتكار وفورات مالية بملايين الريالات سنويًا، مع تسريع عمليات المراقبة الدورية دون الحاجة إلى إيقاف التشغيل.
الذكاء الاصطناعي في قلب الاختراع
تعتمد طائرة HUCT على منظومة ذكاء اصطناعي مدمجة قادرة على تحليل الصور والفيديوهات في الوقت الفعلي أثناء الطيران أو الزحف.
كما يمكنها اتخاذ قرارات فورية مثل تغيير المسار، أو العودة إلى نقطة الإقلاع عند اكتشاف خلل أو انخفاض في البطارية، مما يجعلها نظامًا ذاتي التشغيل بالكامل (Fully Autonomous).
ويقول خبراء جامعة كاوست إن هذا المشروع يمهّد الطريق لتوسيع نطاق تطبيق هذه التكنولوجيا في قطاعات أخرى، مثل فحص محطات الكهرباء، وخطوط المياه، والمنشآت النووية، وحتى في الاستكشاف الفضائي مستقبلًا.
خطوة ضمن رؤية السعودية 2030
يُعد مشروع “الوحش الهجين” شاهدًا جديدًا على تقدم السعودية في مجال الابتكار التقني والهندسي، ضمن أهداف رؤية المملكة 2030 التي تركز على دعم البحث العلمي والاعتماد على الكفاءات الوطنية في الصناعات المتقدمة.
ويؤكد خبراء الطاقة أن هذا الاختراع يعزز مكانة السعودية عالميًا كمركز رئيسي لتطوير تكنولوجيا الطائرات بدون طيار (UAV)، ويجعلها من أوائل الدول التي تمتلك حلولًا صناعية ذكية متكاملة.
تقدير عالمي وتطبيقات مستقبلية
حظي الاختراع بتغطية إعلامية دولية واسعة، حيث أشادت مجلات متخصصة في الطيران والطاقة مثل Aviation Week وOil & Gas Journal بالتطور التقني السعودي الفريد.
كما يجري العمل حاليًا على تطوير نسخة ثانية من الطائرة بقدرات أكبر ومدى أطول، مع إمكانية استخدامها في مهام الإنقاذ والاستطلاع العسكري.
ويختتم المهندس الزهراني حديثه قائلًا:
“ما بدأناه اليوم في معامل كاوست سيُغير مستقبل الصناعة غدًا. هدفنا أن نضع اسم السعودية في مقدمة الدول المبتكرة في عالم الطائرات الذكية.”