قائد الطائرة يتقاضى 400 ألف دولار سنويًا.. الطيران التجاري على قمة المهن الأعلى دخلًا

في عالم الطيران التجاري، لم يعد التحليق حلمًا فقط، بل أصبح طريقًا إلى واحدة من أكثر المهن ربحًا على وجه الأرض.
ففي عام 2025، شهدت رواتب الطيارين حول العالم، وخاصة في الولايات المتحدة، قفزة تاريخية غير مسبوقة، جعلت مهنة الطيران ضمن قائمة أعلى الوظائف دخلًا عالميًا، وذلك نتيجة النقص الحاد في الكوادر الجوية المؤهلة، والاتفاقيات النقابية الجديدة التي أبرمتها كبرى شركات الطيران.
طفرة تاريخية في الأجور داخل شركات الطيران الأمريكية
تتصدر شركات مثل Delta Air Lines وUnited Airlines وAmerican Airlines وSouthwest مشهد المنافسة في جذب أفضل الطيارين عبر حزم رواتب ومزايا لم يسبق لها مثيل.
فقد قفزت رواتب قادة الطائرات (Captains) في هذه الشركات إلى نطاق يتراوح بين 200 ألف و400 ألف دولار سنويًا، حسب نوع الطائرة، وسنوات الخبرة، وساعات الطيران، إلى جانب البدلات والمكافآت.
أما كبار القادة الذين يقودون طائرات الركاب الضخمة من طراز Airbus A350 أو Boeing 777، فيصل أجرهم إلى أكثر من 350 دولارًا في الساعة الواحدة، بينما يتقاضى طيارو الشركات الإقليمية الأصغر نحو 200 دولار في الساعة.
ويتم احتساب الأجر بناءً على ما يُعرف في صناعة الطيران بـ "Block Time" — أي الوقت الفعلي لتحرك الطائرة من البوابة حتى توقفها بعد الهبوط.
على سبيل المثال، يمكن لقائد طائرة Delta A350 أن يحقق دخلاً يقترب من 400 ألف دولار سنويًا، فيما تتراوح رواتب قادة الطائرات في شركات مثل United وSouthwest وAlaska Airlines بين 250 و300 ألف دولار سنويًا، قبل احتساب المكافآت وبدلات السفر وساعات الطيران الإضافية.
تدريب مكلف.. لكنه طريق مضمون نحو القمة
ورغم هذه الأجور المغرية، إلا أن الطريق إلى قمرة القيادة ليس سهلًا على الإطلاق.
فالتدريب للحصول على رخصة الطيران التجارية وشهادات القيادة الجوية يمكن أن يتجاوز 100 ألف دولار أمريكي، ويحتاج المتدرب إلى آلاف الساعات من الطيران العملي قبل أن يسمح له بقيادة الطائرات التجارية.
لكن المفارقة أن هذه التكلفة العالية لم تمنع الإقبال، بل على العكس — مع ازدياد معدلات التقاعد بين الطيارين القدامى وارتفاع الطلب العالمي على الرحلات الجوية، أصبحت مهنة الطيران من أكثر المسارات المهنية ربحًا واستقرارًا في العالم.
شركات التدريب والطيران الصغيرة في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا بدأت بالفعل في توسيع برامج تأهيل الطيارين لتلبية الطلب، بينما أطلقت بعض الشركات برامج تمويل خاصة لمساعدة الشباب على تحمل نفقات التدريب مقابل التزامهم بالعمل لديها بعد التخرج.
نقص عالمي يرفع الطلب على الطيارين
تشير تقارير شركات الطيران العالمية إلى أن العقد القادم سيشهد أعلى طلب تاريخي على الطيارين منذ نشأة الطيران التجاري.
وفقًا لتقديرات شركة بوينغ (Boeing)، فإن العالم سيحتاج إلى أكثر من 600 ألف طيار جديد بحلول عام 2040 لتغطية النمو المتوقع في النقل الجوي، خصوصًا في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا.
وقد دفعت هذه الأرقام العديد من شركات الطيران إلى إعادة هيكلة سياساتها الداخلية للأجور والمزايا، لتجنب فقدان كوادرها لصالح شركات أخرى.
شركات كبرى في الشرق الأوسط مثل الخطوط القطرية وطيران الإمارات والاتحاد للطيران بدأت بالفعل في رفع الرواتب السنوية وتقديم مزايا سكن وتعليم لأسر الطيارين لجذب الكفاءات من السوق الأوروبية والأمريكية.
وفي أوروبا، تتجه شركات مثل Lufthansa وAir France-KLM إلى اعتماد سياسات جديدة لتقليل الفجوة بين رواتب الطيارين المحليين ونظرائهم في أمريكا، في محاولة لمنع الهجرة المهنية إلى الخارج.
اتفاقيات نقابية تغير قواعد اللعبة
شهد عام 2025 توقيع عدد من الاتفاقيات التاريخية بين النقابات الجوية وشركات الطيران الأمريكية، تضمنت تحسينات ضخمة في الأجور، وساعات العمل، والإجازات السنوية، والتأمين الصحي، ومعاشات التقاعد.
هذه الاتفاقيات جاءت بعد سنوات من المفاوضات الطويلة التي قادتها نقابات الطيارين للمطالبة بزيادة عادلة تتناسب مع أرباح الشركات المتزايدة.
ونتيجة لذلك، شهدت الشركات زيادة في كفاءة التشغيل ورضا الطيارين، وانعكس ذلك على تحسن مستويات الأمان والانضباط وجودة الخدمة الجوية، مما ساهم في تعزيز ثقة المسافرين.
مستقبل المهنة: الطلب مستمر والرواتب في ارتفاع
بحسب خبراء النقل الجوي، فإن الطلب على الطيارين المدربين لن يتراجع خلال العقد القادم، بل من المتوقع أن يستمر في الصعود مع نمو حركة الطيران بعد الجائحة وافتتاح خطوط جديدة تربط بين الأسواق الصاعدة.
كما يُتوقع أن تشهد دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا طفرة في إنشاء أكاديميات تدريب طيران جديدة، خاصة في مصر والسعودية والإمارات، لمواكبة الاحتياجات المستقبلية وتخريج طيارين مؤهلين بمعايير عالمية.
وتشير التقديرات إلى أن رواتب الطيارين في هذه المنطقة قد تشهد زيادات تصل إلى 30% خلال السنوات الخمس المقبلة، خصوصًا مع توسع شركات مثل طيران الرياض والعربية للطيران وفلاي دبي في أساطيلها وخطوطها الدولية.
خلاصة المشهد
في عام 2025، تحولت مهنة الطيران من حلم طفولي إلى استثمار مالي ضخم يمكن أن يغير حياة صاحبه.
فالطيار اليوم لا يكتفي بالتحليق فوق السحاب، بل يعيش واقعًا ماليًا واستقرارًا مهنيًا يحسده عليه الملايين حول العالم.
وبينما تواجه شركات الطيران العالمية تحديًا في سد النقص المتزايد في الكوادر الجوية، يبدو أن عصر الطيارين الذهبي قد بدأ بالفعل — والأفق لا يزال مفتوحًا أمام جيل جديد من القادة الذين سيقودون صناعة الطيران نحو المستقبل.