رئيس التحرير
محمود عبد الحليم
رئيس التحرير التنفيذي
فريد علي
ads

أخطر الرحلات الجوية في العالم.. الطيران فوق المحيط الهادئ من ملبورن إلى لوس أنجلوس بلا توقف

الإثنين 13/أكتوبر/2025 - 10:11 م
الحياة اليوم
محمود السعدي
طباعة


تُعد الرحلة الجوية الطويلة التي تربط بين مدينة ملبورن الأسترالية ومدينة لوس أنجلوس الأمريكية واحدة من أطول وأخطر الرحلات في العالم، ليس فقط لطول المسافة التي تبلغ أكثر من 12 ألف كيلومتر، ولكن أيضًا بسبب طبيعة المسار الجوي الفريد الذي يمر بالكامل فوق المحيط الهادئ، أكبر محيطات الأرض وأكثرها عزلة.

هذه الرحلة التي تُسيّرها عادة شركات كبرى مثل كانتاس (Qantas) ويونايتد إيرلاينز (United Airlines)، تستغرق في المتوسط 15 ساعة طيران متواصل دون أي توقف، لتربط بين قارتين يفصل بينهما نصف الكرة الأرضية، عبر ممر جوي خالٍ تقريبًا من أي مطارات بديلة أو مناطق يمكن استخدامها في حالات الطوارئ.

رحلة بلا مطار بديل.. مغامرة فوق اللامكان

في عالم الطيران، تعتبر السلامة الركيزة الأساسية لأي خطة طيران. ولهذا، يُلزم الطيارون بوضع خطط بديلة للهبوط الاضطراري في حال حدوث أي طارئ سواء كان عطلًا في أحد المحركات، أو خللًا في أنظمة القيادة أو الضغط داخل المقصورة.
لكن في حالة الرحلة بين ملبورن ولوس أنجلوس، يواجه الطيار تحديًا فريدًا؛ إذ تمتد المسافة فوق مياه المحيط الهادئ دون وجود يابسة قريبة أو مطارات بديلة ضمن مدى الطيران الآمن، وهو ما يجعلها من أخطر الرحلات الجوية على الإطلاق.

وبالرغم من ذلك، فإن الطائرات الحديثة مثل بوينغ 787 دريملاينر (B787) وإيرباص A350 المخصصة لتلك الرحلات، مزودة بتقنيات متطورة تمكنها من الطيران لساعات طويلة بمحرك واحد في حالة الطوارئ، وفقًا لمعايير ETOPS (Extended-range Twin-engine Operational Performance Standards)، والتي تتيح للطائرة الطيران حتى 180 أو 330 دقيقة بمحرك واحد لحين الوصول إلى أقرب مطار متاح.

التكنولوجيا تنقذ السماء.. كيف تتعامل شركات الطيران مع هذه المخاطر؟

تعمل شركات الطيران على دراسة دقيقة للمسارات الجوية فوق المحيطات من خلال ما يُعرف بـ Polar and Oceanic Routes، وهي ممرات جوية خاصة يتم التخطيط لها وفق خرائط الأرصاد الجوية، وسرعة الرياح، واحتمالية العواصف أو التيارات الجوية القوية مثل تيار الجيت ستريم (Jet Stream).
قبل الإقلاع، يقوم فريق العمليات الجوية بدراسة كل التفاصيل، بما في ذلك:

  • مسار الطيران الأمثل لتقليل استهلاك الوقود.
  • نقاط الاتصال بالأقمار الصناعية لضمان التواصل المستمر.
  • حالة الطقس على طول المسار فوق المحيط.
  • خطط الطوارئ في حال فقدان الاتصال أو حدوث عطل ميكانيكي.

ويخضع الطيارون لتدريبات متقدمة تحاكي هذه الظروف، باستخدام أجهزة محاكاة خاصة تسمح لهم بالتعامل مع أي حالة طوارئ أثناء الطيران في المناطق النائية.

 الخطر الحقيقي.. الطبيعة لا ترحم

التحليق فوق المحيط الهادئ يعني مواجهة ظروف مناخية قاسية في بعض الأوقات، مثل:

  • العواصف المدارية المفاجئة.
  • الاضطرابات الجوية الحادة (Turbulence) الناتجة عن التيارات الباردة والدافئة.
  • الانعزال الكامل عن محطات الرادار الأرضية، مما يجعل التواصل مع المراقبة الجوية يتم عبر الأقمار الصناعية فقط.

ومع كل هذا، تبقى تلك الرحلات من أكثر الرحلات انتظامًا وأمانًا في العالم بفضل تطور تقنيات الملاحة الجوية، ودقة أنظمة الرصد والمتابعة، والالتزام الصارم بإجراءات السلامة الجوية العالمية.

رحلة تجمع بين الجمال والخطر

رغم المخاطر المحتملة، تعتبر رحلة ملبورن – لوس أنجلوس واحدة من أجمل التجارب الجوية بالنسبة لعشاق السفر لمسافات طويلة.
فهي تمنح الركاب مشاهد مذهلة أثناء عبور الغيوم فوق المحيط الهادئ، خصوصًا خلال شروق أو غروب الشمس، حين ينعكس الضوء على صفحة المياه الممتدة بلا نهاية.

كما أن الرحلة تمثل جسرًا حيويًا بين أستراليا وأمريكا الشمالية، حيث يستخدمها سنويًا آلاف الركاب من رجال الأعمال والسياح والطلاب، ما يجعلها محورًا اقتصاديًا واستراتيجيًا مهمًا في حركة النقل الجوي العالمي.

 خبراء الطيران: رحلة تتطلب أعلى مستويات الكفاءة

يرى الخبراء أن قيادة هذه الرحلة تتطلب طيارين ذوي خبرة عالية جدًا، قادرين على اتخاذ القرارات الدقيقة في حال الطوارئ، وإدارة الوقود بعناية فائقة، ومراقبة أنظمة الطائرة باستمرار طوال 15 ساعة من الطيران فوق البحر المفتوح.

ويؤكد الطيارون أن أكثر ما يميز هذه الرحلات هو الشعور بالعزلة المطلقة في السماء، إذ لا توجد أي أضواء من المدن أو إشارات من اليابسة، فقط البحر والنجوم في الخلفية ، وهو ما يجعلها تجربة فريدة من نوعها تجمع بين المغامرة والمسؤولية القصوى.

 المستقبل: طائرات أبعد وأكثر أمانًا

مع التطور المستمر في تقنيات الطيران، يتجه العالم نحو الجيل القادم من الطائرات بعيدة المدى، مثل طراز Boeing 777X وAirbus A350-1000، التي يمكنها التحليق لمسافة تتجاوز 17 ألف كيلومتر دون توقف.
ومن المتوقع أن تُصبح الرحلات فوق المحيطات أكثر أمانًا وكفاءة خلال السنوات القادمة، مع تحسين أنظمة المراقبة الفضائية والاتصال اللحظي عبر الأقمار الصناعية.

رحلة ملبورن – لوس أنجلوس ليست مجرد رحلة طويلة، بل اختبار حقيقي لقدرة الإنسان والتكنولوجيا على تجاوز حدود الطبيعة، فبين السماء والمحيط، وبين الليل والنهار، يواصل الطيارون حول العالم تنفيذ هذه المهمة الدقيقة بثقة واحترافية، لتبقى واحدة من أروع وأخطر الرحلات الجوية في تاريخ الطيران المدني.


                                           
ads
ads
ads