رئيس التحرير
محمود عبد الحليم
رئيس التحرير التنفيذي
فريد علي
ads

الكاتب الصحفي محمود عبد الحليم يكتب: وماذا بعد؟؟ افتتاح المتحف الكبير

السبت 01/نوفمبر/2025 - 01:30 م
الحياة اليوم
طباعة

لم يكن افتتاح المتحف المصري الكبير مجرد إضافة معلم سياحي أو صرح معماري جديد لخريطة مصر، ولم يكن شريطاً يُقص لإنهاء مشروع، بل كان في جوهره تدشيناً لسؤال بحجم سبعة آلاف عام من الحضارة: وماذا بعد؟
إن هذا الصرح، الذي يقف شامخاً يراقب أهرامات الجيزة، ليس مجرد متحف لحفظ الآثار؛ إنه مرآة تعكس عظمة الماضي ورسالة قوية للحاضر، إنه بداية انطلاقة حقيقية لكل المصريين، انطلاقة لا يجب أن تتوقف عند حدود هذا المبنى العظيم، بل يجب أن تمتد لتشمل كل شبر من أرض مصر وكل عقل من عقول أبنائها.
لقد أثبت المصريون، قديماً وحديثاً، أنهم بناة حضارة من الطراز الأول، من شق القنوات وبناء المعابد إلى إنجاز هذا المتحف بتعقيداته الهندسية والتكنولوجية.. واليوم، نحن أمام لحظة فارقة، فالسؤال "وماذا بعد؟" لا يُطرح على سبيل الترف الفكري، بل كضرورة حتمية للمستقبل.
دعوة للدولة نحو الإبداع واستغلال العقول
إن نجاح مشروع بحجم المتحف الكبير يضع على عاتق الدولة مسؤولية جديدة، فلابد للدولة أن تتجه إلى طريقة جديدة للإبداع؛ طريقة لا تقتصر على الحجر والبناء، بل ترتكز على الإنسان، لقد آن الأوان للانتقال من "إدارة الموارد" إلى "صناعة المستقبل".
نحن بحاجة إلى منظومة وطنية تكتشف المواهب وترعاها، لابد من طريقة جديدة لاستغلال همم وعزيمة وعلم المصريين، لدينا ملايين العقول الشابة المتقدة، ولدينا همة لا تلين، وعلم ينتظر فقط البيئة المناسبة ليزدهر، يجب أن تتحول الجامعات ومراكز الأبحاث والمصانع إلى خلايا نحل حقيقية، تبتكر وتبدع وتصدر للعالم أفكاراً ومنتجات بنفس الجودة التي قدم بها أجدادنا فنهم وعلمهم.
دعوة للمصري: أنت وريث من علّم العالم
السؤال "وماذا بعد؟" موجه أيضاً لكل فرد، فلابد من أن يفكر كل مصري في دوره في هذه الانطلاقة، إن هذا المتحف يذكرنا بمسؤوليتنا التاريخية، علينا أن نسترجع الماضي وعبق الماضي والحضارة القديمة، ليس لنغرق في فخ "النوستالجيا"، بل لنستلهم المنهج، يجب أن نتذكر أن مصر هي من علمت العالم الأبجدية، والطب، والهندسة، وفن الإدارة، هذا الإرث ليس للتفاخر فقط، بل هو أمانة في أعناقنا.
إن مصر هي رمز الحضارة والتاريخ، وهذا الرمز لا يجب أن يظل حبيس جدران المتاحف، يجب أن يتجسد في سلوكنا اليومي، في إتقاننا للعمل، في احترامنا للوقت، في سعينا للمعرفة، وفي إيماننا بأننا قادرون على استئناف المسيرة.
البناء على الأساس.. من رمز الحضارة إلى قاطرة المستقبل
إن الإجابة الحقيقية على سؤال "وماذا بعد؟" تكمن في العبارة التي يجب أن تصبح عقيدتنا، ونبني على ذلك نحن كمصريين، البناء على ذلك يعني أن نحول طاقة الفخر بهذا الصرح إلى طاقة عمل منتجة، البناء على ذلك يعني أن يكون "المتحف الكبير" هو نموذجنا القياسي للجودة والإتقان في كل ما نقوم به؛ في مدارسنا، ومستشفياتنا، وشوارعنا، ومصانعنا.
لقد علّمنا الأجداد أن المستحيل يتحقق بالعلم والإرادة والصبر، واليوم، يمنحنا المتحف الكبير الدفعة لنقول للعالم: "لقد عدنا"، عدنا لنبني، وعدنا لنبدع، وعدنا لنعلم العالم من جديد، ليس فقط كيف نحفظ التاريخ، ولكن كيف نصنع المستقبل.
إن افتتاح المتحف الكبير ليس نهاية المطاف، بل هو إشارة البدء، المعركة الحقيقية ليست في بناء الحجر، بل في بناء الإنسان، والانطلاقة قد بدأت، والمسؤولية تقع علينا جميعاً، دولةً وشعباً.
                                           
ads
ads
ads